RED DEATH الإدآره ~
♣ الدولٌه » :
♣ مشَارَڪاتْي » : 1380
♣ نُقآطِيْ » : 4655
♣ التسِجيلٌ » : 12/06/2012
♣ المكآن » : لامكان لاوطن :(
| موضوع: يجب أن نقف أمام المرآة ! الأحد سبتمبر 02, 2012 3:28 am | |
| يجب أن نقف أمام المرآة !
الخطاب الإعلامي العربي وجه بشكل أو بآخر نحو تمجيد الذات وتفخيمها وتعظيمها بلا أدنى إهتمام بـاكتشافها ونقدها واستخراج عيوبها ودراستها ؛ ومازلنا جميعاً نتحدث بلغة شعر " الفخر " فما قاله عمرو بن كلثوم مادحاُ أبناء قبيلته " إِذَا بلغ الفطـامَ لنا صبـيّ تخـر لَه الجبابر ساجدينا " لا يختلف مضمونه كثيراً عن إدعاءاتنا الدائمة بأننا نعيش دوماً في أبهى وأزهى حلة ؛ وتضخيم الإنجازات الصغيرة التي لا يراها البعض في الدول المتقدمة إنجازاتٍ أصلاً بات سمة أساسية من سمات إعلامنا ولكي لا نظلمهم ونحملهم فوق ما يستطيعون فهي باتت ثقافة نحن مؤمنون بها أيضاً ، فـ مثلاُ أن يحرز لاعب هدفاً يتيماً يؤهلنا لـ بطولة دولية يعد إنجازاً لا مثيل له بعده مباشرة يأتي التهليل والتكبير ونجد كل قنوات التلفزة تتحدث عنه وسرعان ما تفرغ له الصحف كبير المساحات من صفحاتها لكي تُملأ في ما بعد بما تجود به أقلام الكتاب من تمجيد و أبناء الشعب صغيرهم وكبيرهم حتى من ليس له أدنى إهتمام بكرة القدم منهم ينزل إلى الشارع إحتفالاً بهذا الإنجاز " العظيم " على حد وصفنا ، وهذا هو واقع الحال في كل أقطار عالمنا العربي فلا تنس أن شعر المدح منسوب لنا جميعاً ؛ فـ بفضله بتنا جميعاً نعرف فضائلنا الواقعي منها والمزيف بل حتى حفظناها عن ظهر قلب متغافلين عن نقائصنا ورذائلنا موجهين الصمت دوماً في وجهها . . فما رأيكم أن نسبح ضد هذ التيار الجارف ونفتح ذلك الملف الذي طالمنا كان صمتنا هو السلاح الأول والأخير في وجهه ؟!
تراودني هذه الرغبة منذ زمن وتحديداً كلما تذكرت دولاً كانت قبل عدة سنوات في ذات الطور الذي نحن فيه ولكنها تقدمت وخطت خطوات عملاقة في طريق البناء والإعمار واللحاق بركب الدول الكبرى ؛ دول كـ تركيا ماليزيا إندونيسيا وغيرهم الكثير كانوا حتى الماضي القريب يعيشون ذات حياتنا التي ملؤها التخلف في جميع المجالات ؛ ولكن مواجهتهم لعيوبهم ونقائصهم بـ إلقاء الضوء عليها وتحليلها ودراستها ومن ثم إيجاد الطرق المثالية لا لمحوها فحسب بل لجعلها تضحي مميزات وسمات رائعة يعرفون بها ، وأحد بقع الضوء هذه كان مناقشة واسة جرت في تركيا أوائل التسعينات من القرن الماضي حول خصال الشعب التركي ونقائصه ، فجرها في حوار مع أحدى الصحف الواسعة الإنتشار واحد من كبار الكتاب في تركيا آنذاك " نيسين عزيز " ؛ في هذا الحوار قال نيسين الذي عرف بسخريته الشديدة ، إن الشعب التركي أحمق وتغلب عليه السذاجة والغباء والذين يصفونه بالشجاعة كاذبون فـ وجود بعض الشجعان لا يعني بأن الشعب شجاع . . وتساءل : أيهم كان أكثر عدداً في حرب التحرير الوطنية الهاربون أم المشاركون فيها ؟ وكم عدد الذين أجبروا على المشاركة فيها ؟. ثم قال إن الشعب تحول بسبب مركز القيادة إلى شعب أبله لم يبدع أيفكر أو تصور ؟ وليست له مساهمة تذكر الحضارة المعاصرة . سئل الرجل أثناء الحوار : ما الذي دفعك إلى اتهام الشعب بالحمق والبلاهة ؟. قال : السيد في الشركات هو من يمتلك 51% من أسهمها ؛ وفي بلادنا فإن أكثر من 60% كم الشعب يعاني من الحمق والبلاهة . لذلك فإنني أعتبر أنني أعيش في مجتمع تغلب وتهيمن عليه هاتان الصفتان . وأضاف : إن مساعدة الشعب لا تكون بإن نقول له أنت جيد وعظيم ، ولكن من الضروري أن ننبهه بالحقيقة ونقول له بصراحة : أنت أحمق وأبله .
هذا الكلام أحدث صداً قوياً لا مثيل له في المحافل الثقافية والسياسية وحظي بمناقشة حفلت بها صفحات الصحف ، وشاركت أقلام كبار الكتاب الذين يقف نيسين في الصف الأول منهم وبقدر ما أعجبت بشجاعة الرجل وصراحته الشديدة ، بـ قدر ما كانت الردود عليه ومناقشته جديرة أيضاً بالإعجاب ، وأن يسلم من التكفير السياسي والإتهام بالإساءة لـ الذات التركية والعمل لصالح قوى أجنبية يهمها ضرب تركيا في أحد أساستها لـ تقويض دورها في المنطقة ، إنه لأمر عظيم برأيي يستحق منا كل إشادة وإكبار !
وبعد متابعتي لهذه المناقشة الواسعة وغيرها ونظرتي لكبير دورها اللاحق في تحديد مستقبل بلاد برمتها ، أصبحت أتمنى لو تتاح لنا الفرصة لإجراء حوار واسع لعيوبنا التي هي سبب رئيس في تخلفنا وهزيمتنا كـ أمة حضارياً ؛ ولست أطمع يتحدث أحد منا بلسان نيسين أو جرأته أو حماقته " كما يراها البعض عندنا " ؛ فالمناخ لدينا يختلف تماماً فـ لا الديمقراطية هي ذاتها ولا سقف الحوار هو ذاته الذي حظي به نيسين بل حتى المزاج العام بدوره يختلف إختلافاً جذرياً ، ولكني تمنيت أن ينخفض صوت تضخيم الذات الذي مانفك يتعالى ويحل محله صوت العقلانية والنظرة الفعلية لـ الواقع لنرى ذاتنا بالشكل الطبيعي ولنعرف حجمها وعيوبها الحقيقية . ومن المحزن حقاً أن تكون أحجامنا الحقيقية معروفة بأدق تفاصيلها لدى مؤسسات وجهات أجنبية ، بينما الرأي العام في أوطاننا لا يعرف عنها أي شيء ؛ ملتهياً بـ ما يدغدغ مشاعره من تصريحات وأغنيات وهتافات خاوية لسا لها هم إلا تضخيم الإنجازات المجهرية وتصوير الذات على إنها عظيمة بينما هي في الحقيقة لا شيء . .
فـ التقارير الدولية تتحدث مثلاً عن توقف نمو متوسط الدخل في الدول العربية في الـ 15 سنة الأخيرة عدى بعض الزيادات الطفيفة والتي لا تذكر ، بينما في الوقت نفسه تزايدت متوسطات الدخول في الكثير من الدول النامية والمتخلفة في الفترة نفسها ، فمثلاً إندونيسيا والتي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 238 مليون نسمة إستطاعت أن ترفع من دخول الأفراد فيها بنسبة تجاوزت 13% . التقارير الدولية تتحدث كذلك عن إرتفاع معدلات الفقر في العالم العربي بين عامي 1990 و 2010 لتصل 6% بعدما كانت 2% فقط ، وتكمل التقارير حديثها لتمر بسياسة الإنفتاح الإقتصادي التي بدأتها معظم الدول العربية في منتصف السبعينات وكيف أن دول دخلتها بعد ذلك بعقد من الزمان كـ تايلند مثلاً قطعت الآن شوطاً يسبق كل دول العالم العربي بثلاثين سنة بالرغم من حداثة عدها نسبياً في هذا المجال . وتضيف التقارير مؤكدةً أن العالم العربي لكي يقف على قدميه ويحصل على عافيته الإقتصادية ينبغي على إقتصاده أن ينمو سنوياً بمعدل يتراوح بين 8% و10% بينما يشير الواقع الحالي إلى أرقام بعيدة كل البعد عن هذا تتمحور حول الـ 1.5% و 4% .
وعلى الرغم من أهمية هذه الجوانب وحيويتها في إدراك حقيقة الذات ، فإن الشيء الذي لم تتحدث عنه التقارير الدولية ويعد أمراً لا تعنى به عادة ألا وهو القيم الإجتماعية ، وهذه القيم في نظري تشكل الأساس لإنجاح التنمية أو النهضة ؛ ولذلك هي الجانب الذي تمنيت أن نزيخ الستار عن حقائقه وأن نتحدث عنه بكل صراحة وعن أوجه القصور فيه .
ذكر المفكر المصري الأستاذ " فهمي هويدي " في مقال له مقارنة بسيطة تضع النقاط على الحروف في جانب القيم الإجتماعية فـ يقول : في أول زيارة لي إلى اليابان حدث لي موقف عكس لي واقع الأخلاقيات والقيم التي يحملها المواطن الياباني ؛ وكان موقفاً مع سائق أجرة ركبت معه ليوصلني من المطار إلى الفندق ، الرجل أخطأ مرتين في الطريق فظل يعتذر لي ويطلب مني أن أغفر له خطأه ولم يسترح إلا بعد أن عاد إلى غرفتي وقدم لي علبة من الحلوى ليسترضيني ؛ ويروي صديق لي قصة سائق سيارة ممثالة ركب معه وفي صحبة بعض الضيوف الأجانب فتوقف بهم وإستأذن أن يغيب لدقيقتين لا أكثر ولكنه غاب لـ 45 دقيقة ؛ وعاد لاهثاً لكي يواصل قيادة السيارة ، ولما سألته عما دفعه للتأخير فـ قال إنه توجه إلى مقر عمله ليوقع في دفتر الحضور ؛ سأله : هل أنت موظف ؟ فرد بالإيجاب ، وعلق صديقي تتوقع منا التقدم وهذا حال موظفينا ؟
لنبدأ في طريق الحل وإصلاح الإعوجاج بعد أن تحدثنا وأسهبنا في تفصيل بعض المشكلات التي نعاني منها ؛ يجب أن نطرح هذا السؤال أولاً : من المسؤول عن تقويم العوج الأخلاقي والسلوكي في المجتمع ؟!
ولا أبالغ إن قلت أننا بصدد واحد من أصعب وأعقد الأسئلة التي نواجهها على الإطلاق ؛ ليس فقط لأننا لا نكاد نرى أحداً مشغولاً بتربية الناس أو بالدفاع عن منظومة واضحة للأخلاق والقيم الإجتماعية ، ولكن أيض لأننا لم نجد الإجابة على السؤال الآخر الأكثر أهمية : نربيعهم على ماذا ؟ والإجابة الصحيحة على هذا السؤال تتطلب أن تكون هناك رؤية حضارية واضحة ، والرؤية يجب أن تتبلور في مشروع يحدد الأهداف العليا ، ويستصحب تحديداً للأدوات والوسائل ، وحين تغيب الرؤيا يغدو المشروع شيئاً غامضاً ومبهماً ، فتختلط الأوراق وتتداخل الخطوط ، حتى نصل إلى نقطة نكاد لا نفرق فيها بين مشروع يعبر عن حل الأمة في التطور والرقي ، ومشروع لشق طريق أو توصيل للمياه والمجاري ؛ وتلك طامة كبرى لاريب .
وتبرز لنا فكرة "القدوة" أحد أكبر المخارج وأهمها من هذه الأزمة ، حيث يظل سلوط النخبة المسؤولة عن إدارة المجتمع هو الأنموذج الذي عادة ما يحتذى سواءً أكان هذا الأنموذج سلبياً أو إيجابياً . فلو كانت السلطة تقوم على الإبتزاز ويتمتع أقطابها بإمتيزات إستثنائية ، لابد أن تنتج شعباً مرتشياً وجشعاً . ولو كانت تتعامل مع العشب بطريقة فاشية ، لابد أن تخلف لنا شعباً فاشياً سواءً بتشكيلاته أو نزعاته التي تسيطر على أفراده . والسلطة الفاسدة التي تتخذ الخداع والكذب طريقاً ومنهاجاً لها . بالطبع ستخلف شعباً أبرز سماته الكذب والخداع والغش . ولو إقتبسنا من تاريخنا الإسلامي بعض اللقطات سـ نجدها تثبت هذا القول . ذكر "إبن الإثير" في مؤلفه [ الكامل في التاريخ ] عن هذا المعنى فروى أن الوليد بن عبدالملك كان صاحب بناء واتخاذ قصور وضياع ، فكان الناس في عهده يلتقون فيسأل بعضهم بعضاً عن البناء ؛ وكان سليمان بن عبدالملك صاحب طعام ونكاح ، فكان الناس في عهده يسأل بعضهم بعضاً عن الطعام والنكاح ؛ وكان عمر بن عبدالعزيز صاحب عبادة ، فكان الناس في عهده يسأل بعضهم بعضاً عن الخبر : ماوردك الليلة؟ كم تحفظ من القرآن؟ كم تصوم من الشهر؟ .
وهناك أقول مؤثورة تعكس ذات الفكرة منها قول سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه : إن الله يزرع بالسلطان مالا يزرع بالقرآن ، وقول عمر بن الخطاب في وصاياه : إن الرعية مؤدية للإمام ، ما أدى الإمام إلى الله ، فإن رتع الإمام رتعوا .
ويذكر الأستاذ خالد محمد خالد في كتابه " بين يدي عمر " قصة حدثت في عهده فـ يقول : جاد جند إلى سيدنا عمر بسيف كسرى وجواهره بعد هزيمة جيشه أمام المسلمين فـ قال رضي الله عنه : إن قوماً أدوا هذا لذوا أمانة . فعقب على قوله علي بن أبي طالب : إنك عففت فعفت الرعية . وعلي رضي الله عنه هو القائل : الناس بإمرائهم أشبه منهم بآبائهم في التمثيل والتقليد والتلقي .
إننا مطالبون بتحرك سريع يرد إلى الناس بعض الأمل ، وينتشلهم من هوة اليأس ، قبل فوات الأوان !
بقلمي : قيس عاصم .
|
|